تشكل النساء 49% من تكوينة المجتمع العربي في البلاد، 3.9% من مجتمعنا هن نساء في سن 65 فما فوق. ومن المعروف أن النساء العربيات يعمرن أكثر مقارنة بالذكور العرب في مجتمعنا إذ يصل معدل طول عمر المرأة العربية من الولادة إلى حوالي ثمانين عاما حسب معطيات دائرة الإحصاء المركزية مقابل 77 لدى الذكور. فالمرأة إذن تقطع شوطًا طويلًا من عمرها تمر خلاله بتغيرات مرحلية تحتاج أن تتأقلم معها لتعيش حياة كريمة.
نسمع العديد من المصطلحات التي تطلق على النساء في العقد الخامس من العمر مثل «سن اليأس من المحيض» سن انتقالي» أو «سن توقف الدورة menopause «
مصطلحات تتأثر جدا بالموروث والتوجه الثقافي ولكنها تشير علميا إلى انتهاء سنوات الإنجاب لدى المرأة والإياس من الطمث والخصوبة، وهي عملية تدريجية تبدو فترات الحيض أثناءها غير منتظمة ثم تتوقف نهائيا، وهذه المرحلة تُعرف عادة بأنه غياب الفترات الحيضية لمدة 12 شهرا بالتتابع مصحوبا بانخفاض مستويات هرمون الإستروجين الأنثوي.
بدأ هذه العملية منتصف عقد الأربعينات من العمر لدى معظم النساء، وتنتهي مع آخر فترة حيض في قريب سن الخمسين،ومع ذلك يمكن أن تنتهي الفترات الحيضية عند سن مبكرة أو متأخرة عن هذه السن بكثير، يلعب أسلوب الحياة دورا هاما في تحديد موعد دخول هذه المرحلة فقد يؤدي التدخين إلى التبكير في الدخول للمرحلة وكذلك حال النساء اللائي استؤصل منهن الرحم والمبيضين.
هذه المرحلة عبارة عن عملية تأقلم الجسم للتراجع الحاصل في مستوى الاستروجين مع التقدم في العمر، بعد أن لم يعد المبيضان يعملان على إنضاج إحدى البويضات وإعداد الرحم للحمل، هذا الانقطاع يتسبب بنقص فيما يقدمه المبيضان للجسم من هرمون الإستروجين والذي يلعب دورا هاما لدى المرأة في بناء خلايا الأوعية الدموية والعظام والجلد والرحم والنسيج الثديي وبطانة المهبل والجهاز البولي والمخ. عندما تنخفض مستويات الإستروجين يتأثر كل من تلك الأنسجة والأعضاء، مما يسبب ظاهرة التوهج (الهبات) الساخنة و جفاف المهبل وتهيج مسالك جهاز البول، كما يرتفع احتمال الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة مثل هشاشة العظام وأمراض القلب والشرايين.
من الأعراض التي تتذمر منها النساء العربيات في البلاد في هذه المرحلة العمرية، آلام الظهر والرقبة (45%) ، أوجاع الرأس(36%)، العصبية الزائدة (29%)، التوهج- هبات الحرارة(27%)، الإرهاق والأرق(25%)، مشاكل في الذاكرة(24%)، الدوخة (19%)، ارتفاع الوزن المستمر (17%). تميل أن المرأة المصابة بمرض الاكتئاب لأن تعاني أكثر من هذه الأعراض نسبة إلى غيرها.
أما عن الوضع الصحي لدى المراة العربية في سن اليأس من المحيض، فإن 28% من النساء العربيات يعانين من وضع صحي غير منضبط، 64 % من النساء العربيات تعدين مقياس الوزن الطبيعي و23% من مجمل النساء العربيات السمينات هن فوق سن 65.
وبالإضافة إلى ذلك، 80 من بين كل 1000 امرأة عربية يعانين من مرض مزمن واحد على الأقل من الأمراض الأكثر انتشارا لدى النساء العربيات فوق سن 65+. و50 % من النساء في سن 45-64 يعانين من أمراض مزمنة اهمها مرض السكري- والذي يشكل ثاني أسباب الموت لدى هذه الفئة- بالإضافة إلى أمراض القلب والشرايين والأمراض السرطانية. 45% من النساء العربيات في هذه السن يتوجهن لطبيب العائلة مرة واحدة على الأقل شهريا بينما 20 % منهن فقط يقصدن طبيب النساء و 30% منهن يتوجهن إلى طبيب الأسنان. 42% من مجموع النساء العربيات في هذه الشريحة العمرية يتوجهن لعمل فحوصات عنق الرحم الموصى بها من قبل وزارة الصحة بينما تتابع 22% منهن فقط فحوصات كثافة العظام بشكل صحيح ومنتظم. ومن الواضح حسب الأبحاث في هذا الجانب أن لدى المرأة المثقفة أو المتعلمة إقبالا أكثر على عمل الكشوف الطبية اللازمة في هذه المرحلة العمرية وهذا السلوك الوقائي يحميهن من خطر الإصابة ببعض الأمراض الخطرة على حياتها كسرطان عنق الرحم، سرطان الثدي إضافة الى مرض هشاشة العظام.
5% فقط من النساء العربيات في البلاد يتلقين العلاج الهرموني التعويضي HRT- Hormone replacement therapy، وتكتفي معظم النساء بعلاجات دوائية أخرى. يهدف العلاج في هذه المرحلة إلى تخفيف الأعراض التي تسببها التغيرات الهرمونية مثل ظاهرة التوهج وجفاف المهبل والإلتهابات المهبلية، كما يهدف العلاج إلى تقليل خطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة الممكنة. وتتوجه النساء العربيات إلى العلاج الطبيعي والطب الشعبي وتعتمد كثيرا تناول المسكنات وإتباع بعض الوصفات الشائعة أو الاستسلام لعملية الهرم بشكل ملحوظ مما يقلل من القوة الدافعة للحياة لديها وقد يودي بها الى الإصابة بالإكتئاب، الأمر الذي ينعكس سلبيا على المحيطين بها وبعائلتها.
في المقابل، فإن 10% فقط من النساء العربيات في سن 45-64 يتبعن نظاما حياة صحيا وسليما. وأقل من 18% من النساء العربيات يمارسن الرياضة إجمالا و تقل هذه النسبة أكثر كلما تقدمت المرأة في العمر.
من المهم للمرأة في هذه السن أن تحافظ اكثر من أي وقت مضى على نمط حياة صحي، فمن الجيد ان تحرص على تناول غذاء متوازن غني بالالياف والكالسيوم النباتي خاصة، ومجموعة فيتامينات ب، وعليها أن تكثر على سبيل المثال من تناول الخضار الورقية إن لم يوجد لديها مانع صحي (تخثر الدم)، كما أن من المهم أن تقلل من تناول الأطعمة الغنية بالدهنيات المشبعة في اللحوم الحمراء والزبدة ومشتقات الحليب الدسمة المعدة بطرق خاصة. من المفيد أيضا للمرأة في هذه السن ان تتناول إضافات الكالسيوم والفيتامين د بشكل منتظم، وان تتناول الأطعمة الغنية بالأوميجا 3 و 6 مثل الأسماك والجوز والكتان وزيت الكانولا والميرمية وغيرها.
يشار إلى أن من الجيد أن تبتعد المرأة في هذه السن عن الطعام المجمد وان تلتزم التنويع في قائمة الطعام اليومية واعتماد الطعام المطهو والساخن وقليل البهارات.
كما أن المرأة في هذه السن مطالبة بالعناية بالجلد ودهنه بالمرطبات والزيوت الغنية بمضادات الاكسدة وفيتامين E. ومن الجيد لها التعرف على بعض الأطعمة والمكملات التي تساعد في التقليل من وتيرة الإلتهابات في المسالك البولية مثل الكارنبري والبروبيوتيكس (الجراثيم البروبيوتية الجيدة)، كما يفيدها أن تستخدم المطريات المهبلية او ما يعرف بالمراهم المزلقات وخصوصا في العلاقة الحميمة، والتي من الصحي لها أن تبقى تمارسها بانتظام.
لو أردنا ان نراعي حقيقة تناول المرأة للعديد من الأدوية لعلاج بعض الأمراض المزمنة في هذه السن فسنختصر المكملات الغذائية الحيوية جدا في هذه السن والتي يوصى بتناولها في كل الحالات على 600 مغم من الكالسيوم، 400 وحدة عالمية من فيتامين د و 1 غرام من الأوميجا 3 (يفضل استشارة الطبيب والصيدلي أو المعالج بالطبيعة).
من جهة أخرى، هناك حاجة للتعرف على بعض المكملات الغذائية التي تساهم في تحسين جودة الحياة، مثل البروبيوتيكس، معدن الخروم 200 مغم لمن يعانين من السكري، فيتامينات مجموعة ب ((B-Complex وغيرها مما ينصح به المعالج بالطبيعة والصيدلي في الحالات الخاصة كالأرق والعصبية والآلام المنتشرة، وذلك مع مراعاة لزوم إعلام الطبيب وإشرافه المتابع.
بعض النباتات تساهم في تحسين جودة حياة المرأة متى تناولتها بالشكل الصحيح، فهي تحتوي على فيتو إستروجينات، تعوض عمل الإستروجين مثل فول الصويا والكوهوش الأسود. كما ان لبعض النباتات المضادة للإلتهاب خصائص فعاله في علاج وتخفيف حدة آلام العظام والمفاصل والتعب، مثل الميرمية، إكليل الجبل البابونج والقراص.
يجدر بالذكر أن تناول النباتات في هذه السن يحتاج استشارة مهنية من قبل العشابين والمعالجين بالطبيعة والصيادلة، وذلك للتأكد من عدم تعارض هذه النباتات مع عمل الأدوية التي تتناولها المرأة، ومثال ضرورة ذلك ان تتناول المرأة دونما معرفة كافية كأسا من مغلي الروزمارين- إكليل الجبل (وهو منشط للدورة الدموية)مباشرة بعد تناول قرص من أوميجا 3- زيت السمك(وهو ذو خاصية مميعة للدم) مع قرص من الأسبيرين 100مغم( لتمويع الدم) في وقت واحد، فإن عادة كهذه قد تتسبب بجلطات دماغية أو قلبية.
وأخيرا، فإن ظاهرة الكبد الدهني تتفشى لدى النساء العربيات في هذه السن، ومن المعروف أن للكبد مساهمة في عملية بناء الهرمونات، فمن الصحي إذن أن تحرص المرأة على اتباع حميات خاصة بين فترة وأخرى تهدف لتنظيف الكبد من السموم المتراكمة، ومن الجيد تناول مزيج ملعقة من زيت الزيتون ببعض عصير الليمون الطازج كل صباح ما بين فترة وأخرى فهذه العصارة الناتجة تنقي الكبد وتذيب الدهون أضف الى ذلك ضرورة الإمتناع ما أمكن عن عادات ضارة بصحة الكبد مثل تعاطي الكحول والتدخين.
أختم بأن سن اليأس هو مرحلة بيولوجية طبيعية عادية تمر بها كل النساء تماما كمرحلة النفاس أو الحمل رغم ما يتخللها من تغيرات عديدة على الصعيد الجسمي والنفسي. زيارة طبيب\ة النساء مرة في السنة هي مسألة ضرورية لتفادي مشاكل هذه المرحلة العمرية، وكذلك إجراء كافة الكشوفات الطبية الإحترازية. ولابد للسيدة كما سبق وقلت من تغذية متوازنة إلى جانب ممارسة الرياضة والحرص على تناول المكملات الغذائية اللازمة الى جانب تناول دوائها بانتظام وبحسب استشارة المعالجين المختصين، ومن الجيد لصحتها النفسية البحث عن مجموعات دعم وأطر فعالة حتى تستطيع مواجهة هذه المرحلة الانتقالية بشكل آمن وتتأقلم معها بشكل سليم.