قال تعالى: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾ (سورة البقرة آية: 233).
المقصود من هذه الآية تبيين حكم المرأة المطلقة وإرضاعها ولدها والرغبة في فصاله (فطامه)، يقول ابن كثير: "فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشورة الآخر وهذا فيه احتياط للطفل وإلزام للنظر في أمره، وهو من رحمة الله بعباده".
فإذا كان هذا هو حق المطلقة في الشورى والتراضي والتفاهم على ما فيه مصلحة الطفل، فأولى أن يكون حق الزوجة القائمة في البيت على رعاية جميع الشئون، إذا كان هذا هو الحق والزوجان متباعدان متباغضان، فأولى بهما وهما متقاربان متحابان مشتركان في تحقيق المصلحة.
وقد اقتبستُ هذه التجربة من كتاب (أوراق الورد وأشواكه في بيوتنا) للدكتور أكرم رضا:
جرب صديقي كل السبل مع زوجته العصبية، جرب العاطفة الجياشة، جرب الإهمال الكامل، وما بينهما، جرب الهدوء والعصبية فكان كل ذلك لا يأتي إلا بنتيجة عكسية فقد ازدادت الفجوة بينهما وأصبح التفاهم شبه مستحيل، قلت له: هل تستشيرها، فأشاح بوجهه بما يغني عن الكلام.
ابتسمتُ له في أسى وقلت: لقد أضعت نعمة كبيرة فإن النساء خير مستشار، على الأقل فالمصلحة مشتركة وقد استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجاته.
أراد أن يغير طرف الحديث عن قدرتها وعصبيتها و....و.... قلت له في اقتضاب: جرب، مرت أيام ثم جاءني وهو يبتسم.
استبشرت وقلت: عادت المياه إلى مجاريها؟
قال - وابتسامته تزداد اتساعًا بعض الشيء -:... ولكن جئتك الآن بعد مشاجرة.
قلت بانزعاج: لماذا؟
قال: أشركتها في أموري، بدأت في البداية بالاستماع بلا مبالاة ثم بتشكك فلما رأت صدق رغبتي في استشارتها تحمست وشاركتني بكل كيانها ونجحنا في عبور الخلاف.
وقلت: ولم التشاجر إذن؟
قال وهو يبتسم في سعادة: اختلاف وجهات النظر، ثم اندفع مبتهجًا: كان الشجار من قبل بلا سبب أو لسبب تافه أما اليوم فإنه نقاش وحوار ورغبة شديدة منها أن تقود السفينة معي.
[rtl]للمرأة في الإسلام حقوق كثيرة وهنا في هذا المقال سوف أتحدث عن حق واحد من حقوق المرأة الوافرة، والتي حاطها الإسلام بالصيانة والحماية، وكللها بالرعاية والعناية.[/rtl]
[rtl]هذا الحق هو حق الرجوع إليها بالتشاور المفيد والاستبصار برأيها السديد؛ هذا الحق الذي إذا كان في رمال التفريط ضاع، وإذا كان في أوحال الإفراط إنماع، وإذا كان في الماء العذب الزلال أضاء واستنار كالشعاع.[/rtl]
[rtl]لقد كانت المرأة تستشار ويرجع إلى رأيها في أكرم العصور وأفضلها وخيرها وأجلها، وهو عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء؛ فيأخذ به.[/rtl]
[rtl]وقد ثبت من هديه - صلى الله عليه وسلم - أنه استشار أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - وقد كانت راجحة العقل نافذة البصر ففي الجامع الصحيح للإمام البخاري من حديث المسور بن مخرمة - رضي الله عنه - في قصة الحديبية وفيها: قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ) قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة - رضي الله عنها - فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا (.[/rtl]
[rtl]قال د. البوطي: "وقد كان الخلفاء الراشدون يستشيرون النساء، وكان في مقدمتهم عمر - رضي الله عنه - وكان أبو بكر وعثمان وعلي يستشيرون النساء، ولم نجد في شيء من بطون السيرة والتاريخ أن أحدًا من الخلفاء الراشدين حجب عن المرأة حق استشارتها والنظر في رأيها".[/rtl]
فإن عمر - رضي الله عنه - استشار حفصة في المدة التي تحدد لابتعاد الزوج عن زوجته وأمضى كلامها وأصدر مرسومًا بذلك.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين